اسم الکتاب : التفسير الوسيط المؤلف : طنطاوي، محمد سيد الجزء : 1 صفحة : 294
ولكن اليهود ومن في قلوبهم مرض، لم يكن إعراضهم عن الحق لشبهة في نفوسهم ينقصها الدليل، وإنما كان إعراضهم مرجعه العناد والمكابرة، وكلاهما يعمى ويصم، فلا غرابة أن نطقوا كفرا، ولاكت ألسنتهم قبحا وسفها.
إلا أن ما قالوه من شبهات حول تحويل القبلة، لم يجد آذانا صاغية من المؤمنين، لأن الله- تعالى- قد مهد للتحويل- كما قلنا- بما يطمئن النفوس ولقن نبيه صلّى الله عليه وسلّم الجواب على شبهاتهم قبل أن ينطقوا بها ليكون ذلك أقطع لحجتهم، كما قالوا في الأمثال: (قبل الرمي يراش السهم) .
رابعا: تفسير الآيات الكريمة التي نزلت في شأن تحويل القبلة إلى المسجد الحرام.
لقد أنزل الله- تعالى- آيات كريمة من سورة البقرة في شأن صرف القبلة إلى البيت الحرام [1] ، لقن فيها المؤمنين الإجابة على معارضات اليهود وغيرهم، ونوه فيها بشأن الأمة الإسلامية، وبشرها بإجابة رجاء نبيها صلّى الله عليه وسلّم إذ ولاه القبلة التي يرضاها، وأراحه من التطلع إلى اهتداء اليهود وغيرهم من الجاحدين. ولو جاءهم بكل آية، لأن إعراضهم عن دعوته ليس عن شبهة يزيلها الدليل، ولكنه إعراض سببه الجحود والحقد، والجاحد والحاقد لا ينفع معهما دليل أو برهان.
وقد كرر القرآن الكريم الأمر بالتوجه إلى الكعبة ثلاث مرات في ثلاث آيات، وعلق بكل أمر فائدة جديدة تناسبه، لأن أهمية هذا الحادث تستلزم تكرارا في الخطاب ليرسخ في النفوس، ويستقر في المشاعر والقلوب.
هذا، وبعد تلك المقدمة الموجزة لما اشتملت عليه آيات تحويل القبلة من مقاصد، نحب أن نتعرض لتفسيرها بالتفصيل، فنقول قال الله تعالى: